وعلى كل حال فهم متفقون أن قوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا} أراد به الثالثة، سواء من قال: إنه لم يتقدم لها ذكر، ومن قال: بل قد تقدم.
وهكذا ما روي عن ابن عباس ــ وإن لم يصح ــ من قوله: "إن طلَّقها ثلاثًا"، فإنه إنما أراد الثلاث التي تقدمت، وهي المرتان اللتان (١) راجع بعد كل منهما، والتسريح.
هكذا يجب أن يُفهم، فإنه إن فُهِم على معنى: إن طلَّقها ثلاثًا دفعة واحدة، كان على خلاف سياق القرآن، وخلاف ما عليه سائر المفسرين.
[منتصف ص ٤] وقوله تعالى: {مَرَّتَانِ} لماذا عُدِل به عن "طلقتان"؟
عنه ثلاثة أجوبة:
الأول: أن يقال: إنما عُدِل عنه؛ لأن تكرار الحروف يوجب ثقلًا في اللفظ.
وليس هذا الجواب بشيءٍ؛ لأن التكرار هنا لا يوجب ثقلًا يعتدُّ به. وقد وقع في القرآن كثيرًا ما هو مثله، أو أدخلُ منه في شبهة الثقل، مثل {مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً}، {وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}، {عَاهَدُوا عَهْدًا}، {أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا}، وأبلغ من ذلك قوله تعالى:{وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ}، اجتمعت فيها سبع ميمات.