للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يقتصر الابتلاء على الشدائد، بل قال الله عز وجل: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: ٣٥]. وذلك من وجهين:

الأول: أن الإنسان كما يشُقُّ عليه الثباتُ على الحق عند الشدائد، فكذلك عند النعيم والرخاء؛ لأن النعيم يدعو إلى التوسّع في اللذّات والاستكثار من الشهوات، والتكاسل عن الطاعات، والتكبّر على الناس، وغير ذلك. وفي الصبر عن ذلك ما فيه من المشقّة.

الوجه الثاني: أن من استحوذ عليه إيثار الباطل تكون الدنيا أعظمَ همِّه. فهو من جهةٍ إذا توفّرتْ له نِعمُ الدنيا ولم تنَلْه مصائبها رضي عن ربه ودينه، وإذا أصابته المصائب سَخِط. ومن جهةٍ أخرى يعُدُّ نِعَم الدنيا ومصائبها أعظم دليل على رضا الله عز وجل وسخطه، فإذا يُسِّرت له نعمُ الدنيا ولم تنله مصائبها زعم أن الله عز وجل راضٍ عنه وعن دينه وعن عمله، وإلا زعم أن الله عز وجل ساخط عليه وعلى دينه وعلى عمله! وهذه كانت شبهةَ فرعون كما بينته في "كتاب العبادة" (١).

وقال الله تبارك وتعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ [٢/ ١٧٩] وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر: ١٥ - ١٦].

وقال تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ


(١) انظر (ص ٨٣٢ وما بعدها).