فإذا اعتددنا بما تقدم، قلنا: إن استقبالها بما ذكر إهانةٌ لها، ولذا نراه بيِّنًا عند التحقيق باعتبار القصد والنية، ألا ترى أن أهل الشام لما كانوا يذكرون عليًّا عليه السلام بلفظ "أبو تراب" قاصدين الغضَّ منه، كان ذلك شتمًا، وإن لم تكن تلك الكنية في نفسها دالَّةً على نقصٍ ولا مُشعِرةً به، بل تُشعِر بالمدح بالنظر إلى سببها. وكذلك لما كتب زياد إلى الحسن عليه السلام:"إلى الحسن بن فاطمة" قاصدًا الغضَّ منه، عدَّ الحسن ذلك غضًّا [منه].
ويَهجِسُ (١) في نفسي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما كان يستقبل أولًا بيت المقدس، ثم حُوِّل إلى الكعبة، وغاظ اليهودَ تركُه قبلتَهم إلى غيرها غيظًا شديدًا كما هو معروف، كان ذلك مظنةَ أن يَحمِلَ بعضَهم الغيظُ على أن يتحرى استقبال الكعبة بالبول والغائط، قائلًا: إنها لا تصلح لأن تُستقبلَ بل لأن تُستقبلَ بهذا، ويكون فعله هذا تغاليًا في الكفر، وتكذيبًا بآيات الله، وإهانةً للقبلة.
[ص ٣] فقه هذا الحديث
الذي يتحقق من الواقعة هو استقبال الشام بالبول.
أما الشام: فإن الرواية اختلفت؛ فجاء "مستقبلَ الشام"، وجاء "مستقبلًا بيتَ المقدس".
وبيت المقدس من الشام، لكن الذي يترجح "مستقبلًا بيتَ المقدس"، فإنها الثابتة عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو أكبر من عبيد الله وأجلُّ، وموصوف بالفقه، وبأنه كان يؤدي الحديث على وجهه.