للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما البول: فلأن الجالس لحاجته إن كان للبول فقط فواضح، وإن كان للغائط فمن لازمهِ عادةً البولُ وإن قلَّ، وليس في كلام ابن عمر ذكرٌ للغائط، والظاهر أنه لم يُثبِته؛ لأنه إنما حانتْ منه التفاتةٌ، والظاهر أنه يَصرِف نظره قبل أن يستثبت، وأقوى من هذا أن الله تبارك وتعالى لم يكن ليكشف لأحدٍ تلك الحالَ من رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

إذا تقرر هذا فقد يقال: لا حجة للمرخصين في هذه الواقعة البتة.

أما أولًا: فلأن من كان بالمدينة إذا استقبل بيت المقدس تمامًا لم يكن مستدبرًا الكعبةَ تمامًا، بل يكون منحرفًا عنها إلى جهة الشرق، فلو كان ثَمَّ تغوّط لما كان إلى القبلة.

وأما ثانيًا: فلأنه ليس في الواقعة ذِكرٌ للغائط.

فإن قيل: فما وجه احتجاج ابن عمر بالقضية على ما أنكره من قول الناس: "لا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس"؟

قلت: أما احتجاجه بالنسبة إلى بيت المقدس فواضح، وأما بالنسبة إلى القبلة فلعله لم يُرِد إنكارَ قولِ الناس فيها، وإنما أنكر التسويةَ بينها وبين بيت المقدس، فكأنه قال: يقولون: لا تَستقبلِ القبلةَ ولا بيتَ المقدس، فيسوُّون بينهما، وإنما الثابت أن لا تُستقبلَ القبلةُ، فأما بيت المقدس فالواقعة تردُّه.

وقد يؤيد هذا أنه لم يتعرض في قوله: "إن أُناسًا يقولون .... " لاستدبار القبلة.

فإن قيل: فلماذا ذكر في وصف الواقعة قوله: "مستدبر القبلة"؟

قلت: ليس هذا في رواية يحيى، وإنما هو في رواية عبيد الله، واختُلِف