فيه تقديمًا وتأخيرًا وغير ذلك كما مر، ويحيى أكبر وأجلُّ وفقيه، وممن يؤدي الحديث على وجهه، وعبيد الله إمام في الرواية، ولكن من المحتمل أن يكون تصرَّفَ في اللفظ بحسب ما فهمه من المعنى، كأنه سمع القصة باللفظ الذي رواه يحيى، فوقع في نفسه أن مقصود ابن عمر إنكار النهي عن استقبال القبلة واستدبارها بالحاجة، فلما أدّى الحديث تصرَّفَ في لفظه بحسب ذلك، فأسقط أول الكلام "إن أُناسًا يقولون ... " كما مر، وقال:"مستقبل الشام" بدل "مستقبلًا بيت المقدس" كأنه علم ما قدمتُه من أن [مَن] بالمدينة إذا استَقبَل بيتَ المقدس تمامًا لم يكن مستدبر الكعبة تمامًا؛ فوقع له أن مراد ابن عمر ببيت المقدس مطلقُ الشام، ومَن بالمدينة إذا استدبر الكعبة تمامًا يكون مستقبلًا مشارقَ الشام. وزاد قوله:"مستدبر القبلة، أو الكعبة، أو البيت" لأنه فهم أن ذلك هو المقصود من القصة.
ومما يُقوِّي هذا اضطرابُه في هذه اللفظة، فتارةً يؤخِّرها على الأصل من كونها زيادة، وتارةً يقدِّمها نظرًا إلى أنها هي المقصودة بحسب ما فهمه، وتارةً يقول:"القبلة" على الأصل، وتارةً يقول:"الكعبة أو البيت"، حرصًا على أداء ما فهمه من المعنى؛ لأن استقبال الشام يصدق باستقبال بيت المقدس، فلا يلزم منه استدبار الكعبة كما مر، وإن لزم استدبار القبلة، على رأي من يقول: إنها الجهة، أي: سمت البيت وما عن يمينه ويساره إلى حد ربع السماء.
[ص ٤] قوله: "إذا أتى أحدكم الغائط"، احتج به بعضهم على أن النهي لا يتناول البيوت؛ لأن الغائط هو المكان المنخفض من الأرض في الفضاء، ونسب ذلك إلى البخاري؛ إذ ترجم لحديث أبي أيوب بقوله: "باب لا