للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تُستقبل القبلةُ ببولٍ ولا غائطٍ إلا عند البناء: جدارٍ أو نحوه".

وبسط الحافظ في "الفتح" (١) الكلام على ذلك بما لا أرى تحته طائلًا، فإن المتبادر من الحديث أن قوله: "إذا أتى أحدكم الغائط" إنما هو كناية عن إرادة قضاء الحاجة، كما أن قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} كناية عن الحدث.

فحاصل معنى الجملة: إذا أراد أحد منكم أن يقضي حاجته، والمعتبر في الكنايات هو المعنى، ولا يفهم منها موافقة الحقيقة ولا مخالفتها، كما في قولنا: "يد السلطان طويلة" فإنما فيها أنه يقدر على تنفيذ إرادته فيمن يبعد عنه، ولا يفهم من ذلك طول الجارحة البتة.

فإن قيل: فعلى هذا لا يظهر لهذه الجملة فائدة، إذ لو تُرِكتْ واقتُصِر على قوله: "لا يستقبل أحد منكم القبلة ... " لكان المقصود واضحًا.

قلت: من فائدتها التنبيه على أنه ينبغي النظر قبل الجلوس حتى لا يغفل قاضي الحاجة عن التحري، أو يحتاج إلى الاستدارة بعد جلوسه، وقد لا يمكنه ذلك.

نعم، في شرح الموطأ للباجي (٢) ما يتحصل منه دعوى أن هذه العبارة إنما تكون كنايةً عن الخِراءة.

أولًا: لأن الشارع لا يستنكر التصريح بالبول، بل جاء: "لا يقلْ أحدكم:


(١) (١/ ٢٤٥).
(٢) "المنتقى" (٢/ ٣٩٠) ط. دار الكتب العلمية.