ثانيًا: لأن الملازمة الغالبة التي بُنِي عليها مدارُ الكناية إنما هي بين إتيان المكان المنخفض في الفضاء وبين الخِراءة؛ لأن العرب لها كانوا يأتون الغِيطانَ، فأما البول وحده فلم يكونوا يأتونها له.
وهذا أيضًا ليس بشيء.
أما الوجه الأول: فلأنه أريد هنا ما يشمل البول والخِراءة، فجيء بهذه الكناية لتعمَّهما، ولو لُوحِظ عدم الكناية عن البول لاحْتِيجَ أن يقال مثلًا: "إذا أراد أحدكم أن يبول أو أتى الغائط". وهو تطويل لا حاجة إليه، وما ورد من كراهية أن يقال: "هَرَقْتُ الماء" إنما هو ــ والله أعلم ــ لأن هذه الكناية غير واضحة، فارتكابها أقبح من التصريح.
أما الوجه الثاني: فقد دفعه في الحديث قوله: "فلا تستقبلوا القبلةَ ببولٍ ولا غائطٍ"، ومن الواضح أنه لا معنى للمنع من استقبالها بالبول حال التغوط، وإباحته عند عدم التغوط.
وقد ظهر من الحديث أن المدار على استقبالها بالنجس حال خروجه، ولا يختص ذلك باجتماعٍ ولا افتراقٍ، ولا بمكان دون مكان، والذين فرَّقوا بين الأبنية وغيرها، عللوا ذلك بأمور:
الأول: تضايق المنازل، وتعسر التحرف فيها. قال الشافعي في "كتاب
(١) أخرجه الطبراني في "الكبير" (٢٢/ ٦٢) وفي "مسند الشاميين" (٣٣٩٤) عن واثلة بن الأسقع بنحوه، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١/ ٢١٠): فيه عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة، وقد أجمعوا على ضعفه.