للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن مورده النهي عن التشبيه بالاقتصار على الثلاث في ليلة، لا التشبيه بالكيف، فكانوا رضي الله عنهم يُصلُّون ما شاء الله، ثم يُوتِرون بثلاثٍ كما عرفتَ.

نعم، قد يقال: إن التشبيه بالكيف يُحكَم بالنهي عنه قياسًا على التشبيه بالكمّ، ولاسيَّما وقد نصّ على العلة في نفس الحديث.

قلتُ: هذا قوي، ويدلُّ له أنَّ عامة ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من وتر الثلاث ليس فيه النصُّ على شيء أنه بتشهدين، وأما بتشهدٍ واحدٍ فكثير كما مرَّ. وأما فعلُ ابن مسعود وأنس وأبي العالية وظاهر ما رُوي عن عمر فمحمولٌ على أنهم لم يعتبروا القياس المذكور، كأنهم رأوا أن تشبيه النفل بالفرض ليس علةً كاملةً، إذ قد ورد صلاةُ أربعٍ قبل الظهر لا يُسلِّم إلّا في آخرهن، وذلك يُشبه الظهر. وقد مرّ حديث عائشة "أربعًا وأربعًا وثلاثًا" وغير ذلك. ولكن ظاهر الحديث خلاف ذلك، فاعتبار القياس قوي، وعليه فيمتنع الوتر بثلاثٍ بتشهدين ولو كان قد صلَّى قبلها عددًا من الشفع، وعليه فالجمع الذي ذكره الحافظ يعتبر لاعتبار الكيف، والله أعلم.

تنبيه

قد مرَّ في الفصل الأول أنه لابدّ أن يتقدم الواحدةَ شَفْعٌ غير سنةِ العشاء، كما يدلُّ عليه سياقُ حديث "صلاة الليل مثنى ... " إلى آخره، وتقرر في هذا الفصل أن الشفع الذي يتقدم الواحدة لابدَّ أن يكون أربعًا فأكثر، ولا يُعتَدُّ فيه بسنة العشاء لما قرَّرناه أن لفظ: "لا توتِروا بثلاثٍ، أوتروا بخمسٍ ... " إلخ من الإطلاق الأول، أي أن الوتر عبارة عما يَشملُ صلاةَ الليل إلى ثلاث عشرة ركعة، وسنة العشاء ليست من ذلك.