قد يقال: إن خبر الثقة يمكن أن يكون باطلًا؛ إما لتعمده الكذب، وإما لغلطه. والغالب أن في الأخبار التي ظاهرها استجماع شرائط القبول ــ عند من يراه ــ عدة أخبار من هذا القبيل، أي باطلة. فلو جاز أن يتعبد الله عز وجل عباده بالعمل بالأخبار وفيها الباطل، للزم من ذلك أن يكون تعبدَهم بالباطل، وهو محال.
والجواب كما تقدم عن الشبهة الأولى، وقد تعبَّد الله الخلقَ بما فهموه من القرآن وقد يخطئون، وتعبَّد العامةَ بما يفتيهم العلماء وقد يفتونهم بالباطل، وتعبَّد الناسَ أن يبنوا في أمر صلاتهم وصيامهم على سماع الأذان، وقد يخطئ المؤذن، وتعبَّد القضاةَ بالحكم بما شهد به الشهود بشرطه، وقد يكذب الشهود أو يغلطون، وتعبَّد المرأةَ بأن تُمكِّن من عهدته زوجَها أو سيدها، وقد يحتمل أن يكون محرمًا لها في نفس الأمر أو يكون قد طلقها أو أعتقها ولا تعلم، وتعبَّد المسلمَ بأن يقتل من يراه في صف الكفار وعهده منهم أو لم يعرفه، وقد يكون مؤمنًا.
وأمثال هذا كثيرة. وفي الجواب عن الشبهة الأولى ما يفسر جميع ذلك، ولله الحمد.
شبهة ثالثة:
قد يقال: قد ثبت امتناع تكليف الغافل، وإنما ذلك لأنه لا بد لاستحقاق العبد العقابَ من قيام الحجة عليه. وخبر الواحد لا يتم به قيام الحجة؛ لأن للعبد أن يقول: يا رب، لم يبلغني هذا من وجه قاطع، وإنما بلغني من وجه