واعلم أن الربا والاحتكار أخوان، يتعاونان على الظلم والعدوان، فكلاهما يريد أن يربح ربحًا وافرًا بدون كثرة تعب في تقليب التجارة، وجلب البضائع من البلدان البعيدة، وغير ذلك مما ينفع الناس.
فالمُرْبِي يريد أن يعطي ماله للمحتاجين دَينًا، ثم يستريح هو، ويترك الكدَّ والتعبَ والعناءَ عليهم، ويأخذ هو ثمرةَ كدِّهم وتعبِهم، فإن لم يُثمِر كدُّهم وتعبُهم أخذ صُلْبَ أموالهم، فإن لم يكن لهم شيء ضايقهم حتى يتمنوا الموت.
والمحتكر يريد أن يستولي على النقد والقوت، ثم يستريح وينام، ويدع الناس في الضرّ والشدّة، حتى يُربِحوه الربحَ الذي يريد.
والمُربِي يَعمِدُ إلى حبس الذهب والفضة، ولا يَصرِفُهما إلا في الربا، ويحتكر القوت مثلًا، ويتربص به حتى يُبذَل له فيه القدر الذي يريده من الربا.
وحابس الذهب والفضة يخاف أن يتَّجر تجارةً شرعية، فيتعب ويتعنَّى، وربما خسر، ويخاف أن يُضارب مضاربةً شرعية، فربما خسر، ويكره أن يُبقِيهما في يده أبدًا؛ لئلا يُفنِيهما بالإنفاق في حاجته، وفي الزكاة إن كان مسلمًا، فيعمِدُ إلى الربا؛ لأنه ربح وافرٌ مضمونٌ بدون تعبٍ ولا عناء.
ومحتكر البرِّ مثلًا ربما لم يرتفع السعر إلى القدر الذي كان يتوقعه، وسوَّسَ البرُّ الذي بيده، فيكره أن يُبقِيه فيتلَف، أو يبيعه بسعر وقته فيخيب أملُه، أو يبيعه بدراهم نسيئةً، فيحتاج إلى تعبٍ بأن يطالب أولا بالدراهم، ثم