وقلَّما يتفق أن يكون الأفضل هو المؤجل، فإن اتفق فنادر، يتبع الغالب.
وبالجملة، فالمقصود من هذا الحكم إنما هو التضييق على حابس الذهب والفضة، ومحتكري الأقوات، فضُيِّق عليهم أن لا يتبايعوا الشيء بجنسه إلا مثلًا بمثل، يدًا بيد، ولا الشيء منها بما يقاربه إلا يدًا بيد.
فالتبايع بالنسيئة يقل احتياج الناس إليه، بدليل أن وقوعه أقل من وقوع التبايع يدًا بيد، فاقتضى التضييقُ منعَه البتَّةَ؛ لأن الحاجة إليه قليلة.
وأما التبايع يدًا بيد، فاكتفى باشتراط المثلية في القدر إذا اتحد الجنس، وفي ذلك تضييقٌ لا يبلغ أن يضيّق على من اشتدت حاجته، ولم يشترط المثلية فيما اختلف جنسه؛ لشدة الضيق في ذلك أشدّ مما تقتضيه الحكمة. والله أعلم.
[ص ٤٨] واعلم أن تشبيه المعاملة المشروعة بالمعاملة الممنوعة كما يدخل في النسيئة تدخل في النقد أيضًا، فمن باع درهمين بدرهم مثل أحدهما، أو دينارين بدينار كذلك، أو صاعَيْ برٍّ بصاعِ برٍّ كذلك، لم يحلَّ، إذ كان المشروع أن يهب صاحب الزائد للآخر درهمًا أو دينارًا أو صاعًا، وتصح الهبة.
فأما إذا [كان](١) الدرهم أجود من أحدهما، فأراد صاحب الزائد أن يهبَ للآخر درهمًا، ويبيعه الآخر بدرهمين، فلا يحل؛ لأن الهبة ههنا حيلةٌ لاستحلال البيع المحرم، وقِسْ على ذلك. والله أعلم.