ولهذا قال الإمام الشافعي وغيره: ليس قول الصحابي حجةً، وإذا روى الصحابي حديثًا ورأى خلافَه عمِلْنا نحن بما رواه لا بما رآه.
فلذلك ترى أصاغر الصحابة قد يخالفون أكابرَهم، وترى التابعين قد يخالفون أصاغر الصحابة وأكابرَهم، كما يخالف بعضهم بعضًا. وهكذا تابِعوا التابعين على هذا المنوال، إلّا إذا أجمع الصحابة على أمرٍ الإجماعَ المعتبر.
ولهذا رُوي عن الإمام الشافعي أنه قال (١): ما جاء عن الله ورسوله فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة تخيَّرنا، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجالٌ. أي أن ما جاء عن الصحابة فإن كانوا أجمعوا فإجماعُهم حجة، وحاشاهم أن يُجمِعوا إلّا على حكمٍ ثابت في الكتاب أو السنة، وإن اختلفوا اجتهدنا واخترنا ما رأيناه أقربَ إلى دلالة الكتاب والسنة، وإن كان قولًا لأحد أصاغرهم يخالف ما عليه الأكابر.
وكذا لم يزل علماء الأمة يخالف كلُّ واحدٍ منهم مَن هو أكبر منه، فضلًا عمن هو مثلُه أو دونَه، لاختلاف الأفهام والمدارك، والتفاوت في الاطلاع على الدليل، وكل واحدٍ مكلَّفٌ بما غلبَ على ظنّه أنه حكم الله تعالى، [ص ٣٨] بدليلٍ من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن خالفَ مَن هو أجلُّ منه وأفضل وأكمل وأكثر. ولا يلزم من مخالفة
(١) هذا مروي عن الإمام أبي حنيفة في "الانتقاء" (ص ١٤٤) و"المدخل" للبيهقي (ص ١١١) و"الإحكام" لابن حزم (٤/ ١٨٨) وغيرها.