للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنسان لغيره استنقاصُه له، ولا بُغضُه له، ولا تفضيلُه نفسَه عليه، ولا غيرُ ذلك، وإنما اجتهد ذاك، فعمِلَ بما أدَّاه إليه اجتهادُه كما هو فرضُه، واجتهد هذا، فعمِلَ بما أدَّاه إليه اجتهادُه كما هو فرضه.

[ص ٣٩] وفي "الأم" (١) في باب الأوقات التي تُكْرَه فيها الصلاة، باب الخلاف في هذا الباب: حدثنا الربيع قال الشافعي رحمه الله تعالى: فخالَفَنا بعضُ أهل ناحيتنا وغيره فقال: يُصلَّى على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح ما لم تقارب الشمس أن تطلع، وما لم تتغيَّر الشمس. واحتجَّ في ذلك بشيء رواه عن ابن عمر يُشبِه بعضَ ما قال.

قال الشافعي: وابن عمر إنما سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم النهيَ أن يتحَّرى أحدٌ فيصلِّي عند طلوع الشمس وعند غروبها (٢)، ولم أعلمه روى عنه النهي عن الصلاة بعد العصر ولا بعد الصبح. فذهب ابن عمر إلى أن النهي يُطلَق على كل شيء، فنهى عن الصلاة على الجنائز لأنها صلاةٌ في هذين الوقتين، وصلَّى عليها بعد الصبح وبعد العصر، لأنا لم نعلمه روى النهيّ عن الصلاة في هذه الساعات.

أقول: انظر احتياط هذا الإمام بقوله: "ولم أعلمه روى عنه النهي ... " إلخ، حيث عدلَ عن قوله: "ولم يسمع منه"؛ لأنه قد يكون سمع منه ونسي أو تأوَّل، كما أنه قد يكون ثبت سماع ابن عمر عند غير الإمام الشافعي، فعبَّر بعبارة لا شبهةَ فيها، مشيرًا بها إلى أنه لا يلزمه العمل إلا بما علم.


(١) "اختلاف الحديث" ضمن كتاب "الأم" (١٠/ ١٠٢، ١٠٣).
(٢) أخرجه البخاري (٥٨٥)، ومسلم (٨٢٨).