بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ... ». فقد يقال: الإيمان في حديث جبريل منحوٌّ به المعنَى اللغويَّ، لا المعنى الشرعي، ويؤيد ذلك أن السائل في حديث جبريل كان في الظاهر ــ كما يُعلم من الروايات ــ أعرابيًّا لم يجتمع قبل ذلك بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم. فلما ابتدأ فقال: ما الإيمان؟ كان الظاهر أنه إنما يريد بالإيمان ما يعرفه في اللغة، فإذا كان معناه في اللغة التصديق القلبي، فظاهر السؤال: ما الذي يُطلب في الدين التصديقُ القلبي به؟ وأما في قصة عبد القيس، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي ابتدأ، فأمرهم بالإيمان ثم فسَّره لهم، فكان المعنى الشرعي للإيمان هو ما جاء في قصة عبد القيس.
فإن قيل: فإنه لم يستوعب الأعمال.
قلت: هذا السؤال مشترك، ولا قائلَ إن ما ذُكر فيه من الأعمال هي من الإيمان دون [٢/ ٣٦٧] غيرها. ومثل هذا في النصوص كثير، من الاقتصار على الأهم، إما لعلم المخاطب بغيره، وإما اتكالًا على أنه سيعلمه عند الحاجة، وإما لأن في الإجمال ما يدل عليه. وكثيرًا ما يقع الاختصار من بعض الرواة.
وبالجملة، فإذا صح قول الكوثري إن أبا حنيفة لا يقول: إن الأعمال ليست من الإيمان مطلقًا، وإنما يقول: إنها ليست ركنًا أصليًّا وإنما الركن الأصلي العقد والكلمة، فالأمر قريب.
فلْنَدَع هذا، ولننظر فيما زعمه أن الإيمان القلبي لا يزيد ولا ينقص حتى قال (ص ٦٧): «لأن الإيمان الشرعي إنما يتحقق عند تحقق الجزم المنافي لتجويز النقيض ... لا يتصور تفاوتٌ أصلًا بين إيمان المؤمنين من جهة الجزم والتيقن،