للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لزمهم أنَّهم يَدْعُون إناثًا من الشياطين، فدعاؤهم الله تعالى مدخول؛ لأنَّهم يصفون الذي يَدْعُونه بأنَّه أبو تلك الإناث، وربُّ العالمين ليس بأبيهنَّ، وإنَّما أبوهنَّ الشيطان، فإذا دعوا أباهنَّ فإنَّما يَدْعُون الشيطان.

وهذا أحد الوجوه التي باعتبارها صحَّ أن يُطلَق أنَّ الكفار لم يكونوا يعبدون الله. وعليه قوله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: ١ - ٣].

ويؤكِّد الإلزام الأول أنَّ من عادة الشيطان التعرُّض للعبادات الباطلة، حتى تكون في الصورة له، كما جاء في الحديث في ذكر الشمس: "فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار" (١).

لمَّا علم الشيطان أنَّ من الناس من يسجد للشمس عند طلوعها صار إذا طلعت على قوم جاء حتى يقوم بينهم وبينها، يمنِّي نفسه أنَّهم إنِّما سجدوا له، قائلًا: أنا الذي أمرتهم أن يسجدوا للشمس، فأطاعوني، فأنا أولى بسجودهم من الشمس.

ويوضّح ذلك: ما أخرجه النسائي (٢) وابن مردويه عن أبي الطفيل قال: لمَّا فتح رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة، وكانت بها العُزَّى، فأتاها خالد وكانت ثلاث سَمُرات، فقطع السَّمُرات وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النّبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فأخبره، فقال: "ارجع فإنَّك لم تصنع شيئًا"،


(١) "صحيح مسلم" [٨٣٢]، كتاب الصلاة، باب إسلام عمرو بن عبسة. [المؤلف].

وأخرجه البخاري (٣٢٧٢)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه، ومسلم (٦١٢)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، لكن دون ذكر سجود الكفار لها.
(٢) "السنن الكبرى" للنسائي (٦/ ٤٧٤).