للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقيقة الكذب (١)

قد تكلّم أهل المعاني وغيرهم في حقيقة الكذب لغةً فلا أطيل بذلك، وإنّما أذكر معناه حكمًا، وهو الذي يتعلق به القبح والإثم.

فأقول: يختلف معناه باختلاف النسبة إلى الخبر أو المخبر، فالخبر الكاذب هو ما كان ظاهره مخالفًا للواقع، وسيأتي تحقيق المراد بالظاهر فلا تعجلْ. والمخبر الكاذب هو من أخبر بخبر يرى أن ظاهره مخالف للواقع.

ولا يدفع عنه معرةَ الكذب خطاؤه في ظن ظاهر ذلك الخبر مخالفًا للواقع بأن يكون في نفس الأمر مطابقًا للواقع.

وعلى هذا فقد يكون الخبر كاذبًا والمخبر صادقٌ وعكسه. هذا فيمن يجوز عليه الخطأ.

فأمّا الله عز وجل فخبره كله صدق، فمن حمل خبرًا من أخبار الله عز وجل على معنى لو كان هو المراد لكان الخبر كاذبًا، فقد نسب الكذب إلى الله عز وجل، ويلزمه حكم ذلك إذا علم أو قامت عليه الحجة بهذا، أي: بأنَّ حَمْل ذلك الخبر على ذلك المعنى يلزمه ما ذكر، وإلاّ فهو معذور كما قُرّر في موضعه، وأوضحته في «رسالة العبادة»، ولعلّه يأتي ما يتعلق به إن شاء الله تعالى.

وأمّا الأنبياء فإنّ أخبارهم تختلف، فما كان منها تبليغًا عن الله عز وجل وبيانًا لدينه فلا يجوز الخطأ فيه، ومن العلماء من جوّز أن يبدر الخطأ من


(١) من هنا قطعة كتب فيها المؤلف عن حقيقة الكذب وغيرها من الموضوعات باختصار.