للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إمامهم ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسولت له نفسُه أن يحاول المكابرة في ذلك، فلم يجد إلى ذلك سبيلًا. فلجأ إلى غير ملجأ فقال: «إن أصحاب مالك لا يسلِّمون أن الشافعي من قريش، بل يدّعون أن شافعًا كان مولى لأبي لهب، فطلب من عمر رضي الله عنه أن يجعله من موالي قريش، فامتنع. فطلب من عثمان رضي الله عنه، ففعل». فافتضح هذا القائل الظالم لنفسه، فإن أصحاب مالك ــ وإن كان فيهم من هو حَنِقٌ على الشافعي وأصحابه ــ لا يعرفون قائلًا منهم بهذه المقالة. وهذا صاحبهم ابن عبد البر أعرف الناس بهم وبأحوالهم ومقالاتهم، نَقَل الإجماع على نسب الشافعي كما سلف. ولو أن ذلك الحنفي نسب تلك المقالة إلى إنسان معروف من المالكية لساغ احتمال أنه لم يكذب على ذلك المالكي وإن كذّبه. وإنما رأى في بعض الروايات أن الشافعي لما حُمل إلى الرشيد كان معه رجل من آل أبي لهب، ثم حاول أن يروِّج مقالته بما نسب إلى عمر، فزادها فضيحة. فهل كان عمر ينكر أن يكون بنو هاشم من قريش؟ أم كان ظالمًا جائرًا يمنع المولى حقه الواضح؟

تذهب هذه الأضحوكة ذهابَ ضرطة عير بالفلاة، [١/ ٣٩٦] وتمرُّ على ذلك ثلاثمائة سنة أخرى تقريبًا، وإذا بحنفيٍّ آخر محترق يكتب كتيبًا يضمِّنه أشياء في فضل أبي حنيفة وعيب سائر الأئمة ولاسيما الشافعي، وخوفًا من الفضيحة نحَلَ الكتابَ مَن لا وجود له، فكتب عنوانه: «كتاب التعليم» لشيخ الإسلام عماد الدين مسعود بن شيبة بن الحسين السندي، ثم رمى بالكتاب في بعض الخزائن، فعثر الناس عليه بعد مدة، فتساءل العارفون: مَن مسعود بن شيبة؟ لا يجدون له خبرًا ولا أثرًا إلا في عنوان ذاك الكتيب.