يقال: حَكَم عَدْل، وشَاهِد عَدْل، أي لا يخشى أن يميل عن الحق، كما يقال: هو رضًا ومأمون، أي: يرضاه الناس ويأمنونه، لثقتهم بأنه لا يجور.
فالعدل في الرواية هو من يوثَق بأنه لا يكذب؛ لأنه مسلم معروف بالاستقامة في الدين، ولزوم ما يقتضيه، واجتناب ما ينافيه من الكذب وغيره.
وقال الله عز وجل في ما حكاه عن المنافقين، وردَّه عليهم:{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}[التوبة: ٦١].
كان هؤلاء يؤذون النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بألسنتهم بأشياء يقولونها، فتبلغ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فربما ذَكَر لهم ذلك، ووعظهم، فكانوا يجحدون ذلك، ثم يقولون لمن لقوه من المؤمنين: محمد أُذُن. يعنون: يقبل ما يُبَلِّغه الناس عنّا ويصدِّقه، مع أننا لم نقله، فردَّ الله عز وجل عليهم بقوله:{قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ}. يظهر أن الخطاب هنا عام، أي أُذُن خيرٍ لكم أيها الناس، بقرينة قوله بعد ذلك:{وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}.
فإن كان خطابًا للمؤذين فقط، فوَجْه كون قبوله لما يَبْلُغه عنهم خيرًا لهم أنه يبعثه ذلك على أن يَعِظَهم وينصحهم، وفي ذلك خير لهم إن أرادوا الانتفاع به.