[ص ١٢] مع أنَّ قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «هل قرأ معي أحدٌ منكم آنفًا» مخاطبة لهم في قضية عرضت، وليس من الكلام الذي يُقصد به تأسيس أصل شرعي، كقوله:«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، وقوله:«كل صلاة لا يُقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج»، ونحو ذلك.
وكلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كله حقٌّ، ولكن الكلام الذي تؤسَّس به قاعدة شرعية يحتاط له مالا يحتاط لما كان من المخاطبات العارضة. فإنه قد يعتمد في هذه على قرائن يعلمها المخاطب، وإن لم يدلَّ عليها اللفظ.
وقد علمت أنَّ ترك لفظ «قرأ» على إطلاقه يستدعي افتراض ناسخ ينسخ تلك القواعد الشرعية الكلية. ومثل هذا الافتراض لا يثبت بمجرد ذلك الظاهر الضعيف؛ فقد بان الصبح لذي عينين.
فإن لم يُقنِعك ما ذكرنا فأقل ما يجب عليك أن تعلم أنك إذا لم تستبعد أن يكون حديث ابن أُكيمة ناسخًا لوجوب الفاتحة، وناهيًا عنها وراء الإمام، مع أنَّ جمهور الصحابة ــ ومنهم أبو هريرة راويه ــ لم يزالوا بعده يقرؤون الفاتحة وراء الإمام ويفتون بذلك= فليس لك أن تستبعد أن يبقى بعضهم بعده يقرؤون غير الفاتحة بعد الإمام، وإذا لم يكن لك أن تستبعد هذا لم يبق بيدك دليل على تأخر حديث ابن اكيمة عن حديث عبادة؛ لأنك إنما احتججت على تأخره بقولك:(لأنه لو كان حديث أبي هريرة قبل حديث عبادة يلزم أن الصحابة يقرؤون خلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد نهيه عنها مطلقًا، وهو بعيد).