واعلم أن المتكلمين تبعوا الحكماء في الكلام على توحيد وجوب الوجود, وأرادوا أن يعبِّروا بعبارة شرعية فاختاروا كلمة (إله)؛ لأنَّ الشارع جعلها عَلَمًا للتوحيد الآخر في لا إله إلا الله، وبنى الملازمة عليها في قوله:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢]، وغيرها ممّا سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
ورأوا أن الشرع خصَّ الألوهية بالله عزَّ وجلَّ، وكثيرًا ما يحتجّ على ذلك بالعقل، فدلَّهم ذلك على أن بَيْنَ الألوهية ووجوب الوجود ملازمةً، وهذا حقٌّ في نفسه، وكذلك الملازمة بين الألوهية والاستغناء المطلق كما مرَّ. ولا يلزم من التلازم في نفس الأمر اتحاد المعنى ولا التلازم في الاعتقاد، فإن عدم الألوهية ملازم لغير الله عزَّ وجلَّ في نفس الأمر, مع أن المشركين يعتقدون في أوثانهم مثلًا أنها آلهة ولا يعتقدون أنها هي الله. وإطلاق أحد المتلازمين على الآخر شائع ذائع.
ولكن المتكلمين سكتوا عن إيضاح توحيد الألوهية الحقيقيِّ مع أن الضرورة إليه أشدُّ؛ لِمَا تقدَّم أنَّ عامَّة الأمم تعترف بوحدانية وجوب الوجود وإنما تنكر توحيد الألوهية، والأمم التي بعثت إليها الرسل كذلك، وعلى ذلك الأمم الباقية على الشرك إلى يومنا هذا، ومعلوم أن تلك الأمم لا تعترف باستلزام وحدانيَّة وجوب الوجود لوحدانية الألوهية, فكان على المتكلمين أن يُبَيِّنوا وجه الملازمة، [١١٩] ويُمْعِنُوا فيه، كيف لا وعليهم اتِّكَال أكثرِ الأمَّة في بيان العقائد، وقد جعلوا التوحيد عَلَمًا لهم حتى سُمِّيَ علمُ الكلام علمَ التوحيد، فكيف لا تتَّكِل الأمَّة في بيان التوحيد على علماء التوحيد؟ ولكنهم ويا للأسف أغفلوا التوحيد الذي بُنِيَتْ عليه الشرائع وبه