للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٤ ــ فصل

ذكر الأستاذ في "التأنيب" (١) أسبابًا اقتضت المنافرة بين الحنفية ومخالفيهم، وأطنب في فتنة القول بخلق القرآن. ثم ذكر في "الترحيب" (ص ١٨ - ١٩) أنه يتحتم عليَّ أن أدرس ملابسات تلك الفتنة. يريد أن الدعاة إليها كانوا من أتباع أبي حنيفة كبِشْر المريسى وابن أبي دُواد، ونسبوا تلك المقالة إلى أبي حنيفة، وساعدهم حفيده إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، واستحوذوا على الدولة، فسعت في تنفيذ تلك المقالة بكلّ قواها في جميع البلدان. فكان علماء السنة يكلَّفون بأن يقولوا: إن القرآن مخلوق، فمن أجاب مظهرًا الرضا والاعتقاد صار له منزلة وجاه في الدولة، وأُنعِمَ عليه بالعطاء وولاية القضاء وغير ذلك. ومن أبى حُرم عطاءه، وعُزل عن القضاء أو الولاية، ومُنع من نشر العلم. وكثير منهم سُجنوا، ومنهم من جُلد، ومنهم من قُتل. وأسرف الدعاة في ذلك، حتى كان القضاة لا يجيزون شهادة شاهد حتى يقول: إن القرآن مخلوق، فإن أبى ردوا شهادته، ومن أجاب مكرهًا ربما سجنوه وربما أطلقوه مسخوطًا عليه. وفي كتاب "قضاة مصر" (٢) طرفٌ من وصف تلك المحنة. فيرى الأستاذ أن ذلك أوغر صدور أصحاب الحديث على أبي حنيفة، فكان فيهم من يذمه، ومنهم من يختلق الحكايات في ثلبه.

[١/ ١٩] فأقول: ليس في ذلك ما يبرر صنيع الأستاذ.


(١) (ص ١٦ - ٢٠).
(٢) للكندي (ص ٤٤٥ - ٤٤٧).