[ص ١١] ثم إن بقاء التكليف باتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والعملَ بالكتاب والسنة إلى يوم القيامة، لما كان متوقفًا على بقاء الكتاب والسنة واللسان الذي وردا به، تكفَّل الله سبحانه وتعالى بذلك. قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩]، وقال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٧ - ١٩] ولا مانع من بقاء الجمع والبيان في هذه الآية على العموم.
ودخلَ في هذا التكفُّلِ السُّنَّةُ واللغةُ؛ لأنهما لازمانِ للحفظ والبيان، لأن المقصود بالحفظ والبيان هو قيام الحجة، ولا تقوم الحجة على مَن بلغه القرآنُ وهو لا يَعرِف منه شيئًا، ولا يتمكن من أن يعرف منه شيئًا. والمعرفةُ إنما تكون بمعرفة اللغة والسنة، فعُلِمَ أن مِن لازمِ التكفُّلِ بحفظِ القرآن وبيانه حِفْظَهما، ولا ريبَ أن الواقع كذلك ولله الحمدُ.
أما حفظ القرآن فمعلوم، وهو المعجزة العظمى الدالة على صدق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهي المعجزة التي لا تزال محفوظةً بحفظِه، وذلك أبلغُ في إقامة الحجة.
وأما حفظ السُّنَّة، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمعوا منه وبلَّغوا مَن بعدَهم. ثم هيَّأ الله تعالى من اختاره من عباده لحفظها وجمعها وضبطها ونقدِ رواتها إلى غير ذلك، وها هي الآن بين أيدينا مبينةً ولله الحمد.