و [من] تدبَّر هذه الشريعة وجد حِكمةً بالغة وإتقانًا باهرًا، يستحيل في العادة أن تكون من وضع بشر واحد، بل ولا من وضع البشر كلهم.
فصل
إذا كنت قد أنعمت النظر فيما تقدم فقد علمت أن الأدلة المذكورة ــ قطعيها وظنيها ــ لم يثبت بها وجود مُجرَّد، ولا وجود ذات مجردة، بل وجود رب هو المدبر لهذا العالم، فعُلِمَ بذلك أنه حي قدير مريدٌ، عليم حكيم، كريم رحيم، إلى غير ذلك من الصفات.
ولهذا ــ والله أعلم ــ يُكتفَى في الكتاب والسنة في ذِكْر الإيمان بالإيمان بالله، ولا يُفرَّق فيهما بين الإيمان به والإيمان بصفاته، وإن أُفرد الاحتجاجُ على بعضها كقوله (١) تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك: ١٤].
فصل
العقل إنما يستثبت بالأدلة المتقدمة وغيرها وجودَ الربّ، وأنه حيٌّ عليم قدير، إلى غير ذلك من صفاته، بطريق القياس على ما عرفه من وجود الناس ــ مثلًا ــ وحياتهم وعلمهم وقُدرتهم، ونحو ذلك.
وهو بنفس تلك الأدلة يعلم أن الرب ليس من جنس هذه المحسوسات، وأن مشاركته لها في تلك الصفات تكاد لِعِظَم التفاوت تكون مشاركةً في الاسم فقط، وأن هذه المشاركة لا تقتضي المشاركة في غير ما ثبتت فيه.