للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى غير ذلك من المفاسد التي تكون صغراها أكبر جدًّا من جميع المفاسد التي كانت تَعرِض في حروبه صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يمكنه أن يدفعها ببعض ما يقال: إنه كذب. فوجب أن تكون كلماته كلها حقًّا وصدقًا.

فأما الخطأ، فلا ريب أن الأنبياء قد يخطئ ظنُّهم في أمور الدنيا، وأنهم يحتاجون إلى [٢/ ٢٥٨] الإخبار بحسب ظنهم، لكنهم إذا احتاجوا إلى ذلك فإنما يخبر أحدُهم بأنه يظنُّ، وذلك ــ كما تقدم ــ صدق، حتى على فرض خطأ الظن. فمن ذلك: ما جاء في قصة تأبير النخل. نشأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة وليست بأرض نخل، ورأى عامة الأشجار تُثمِر ويَصلُح ثمرها بغير تلقيح، فلا غروَ ظنَّ أن الشجر كلها كذلك. فلما ورد المدينة مرَّ على قوم يؤبِّرون نخلًا، فسأل، فأخبروه، فقال: "ما أظنُّ يغني ذلك شيئًا" (١) وفي رواية (٢): "لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرًا"، فتركوه، فلم يصلح. فبلغه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننتُ ظنًّا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدَّثتُكم عن الله شيئًا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله". وفي رواية (٣): "إنما أنا بشر، إذا أمرتُكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي، فإنما أنا بشر" أو كما قال.

أخرج مسلم الرواية الأولى من حديث طلحة بن عبيد الله، والثانية من


(١) أخرجه مسلم (٢٣٦١) عن طلحة بن عبيد الله.
(٢) أخرجها مسلم (٢٣٦٢) عن رافع بن خديج.
(٣) هي رواية رافع.