للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(١٤)

[ل ١٧/ب] الحمدُ لله الذي تفرَّد بالألوهية والقِدَم، وبَرَأ الموجوداتِ من العدَم، وأفاضَ على العبادِ سوابغَ الكرَم، وبوالغَ النِّعَم، ودَفَع عنهم بوائقَ النِّقَم. أحمدُه وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفرُه. وأعتصِمُ به، ونعم المعتصَم.

وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ونبيُّه الذي بالهدى ودين الحق أرسَلَه، صلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وآله وصحبه وسلَّم.

أما بعد ــ عبادَ الله ــ فأوصي نفسي وإياكم بتقواه التي هي وصيَّتُه لعباده، ووصيةُ الأنبياء للأمم.

عبادَ الله، ما لنا لا نزالُ نخوضُ أوحالَ الذنوب مصرِّين عليها، ونجول في لذَّات الدنيا وهي قد أوضحَتْ لنا ما لديها؟ إنَّما هي دارُ غرورٍ مآلُه النَّدَم. فكلُّنا يعلَم أنَّ الله عليه رقيبٌ، وأنَّ أجلَه قريبٌ، وأنَّه مخاطَبٌ بما اجترَم.

قد علمنا ــ والله ــ أنَّ الدنيا دارُ عملٍ مآلُها الفَناء، وأنَّ الآخرة دار جزاء، وشأنُها البقاء، وأنه لا عاصم من أمر الله إلا مَنْ رحِم. وقد حقَّر الله الدُّنيا، وهي كما تُشاهِدُها حقيرة. وعظَّمَ لنا أحوالَ القيامة، والعظيمُ لا يُعظِّم إلا الأشياءَ الخطيرة. ورغَّبَنا فيما عنده، فقابَلَ أكثرُنا مناديَه بالصَّمَم. كم بينَ ما وَرَد فيها عن الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -: "لو كانت الدنيا تَسْوَى عند الله جناحَ بعوضةٍ ما سَقَى منها كافرًا (١) شربةَ ماء" (٢)، وما ورد فيها عن الله تعالى:


(١) في الأصل: "كافر".
(٢) أخرجه الترمذي (٢٣٢٠) من حديث سهل بن سعد، وقال: "وفي الباب عن أبي هريرة". قال: وهذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه.