العكس أقرب، لأن المشركين كانوا يعلمون أن الذكر أشرف من الأنثى، ويُقرون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبِّر للأمر، إلى غير ذلك، فكان اللائق بأذهانهم ترجيحُ ذكورةِ الملائكة، ولذلك وبَّخَهم الله تعالى في سورة الزخرف بقوله:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا} الآيات [الزخرف: ١٧ - ١٩].
[ص ١٥] فإن قيل: بقي عليك قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}، فإنها جملة مستقلة مُبطِلةٌ لمطلق الظن.
فالجواب أن يقال: هي وإن كانت جملة مستقلة، فهي مَسُوقة لإبطال ظنهم الذي هو مجرد الوهم والتخرُّص والتقليد، فتعيَّن حملُ الظنّ فيها على ذلك لتحصُلَ المطابقة، وقد عُلِم مما سبقَ أن ظنهم إنما كان مجردَ وهَم باطل، وهذا واضح ولاسيَّما في آية النجم.
ومع هذا كله فلو فُرِض أن في هذه الآيات أو غيرها دليلًا على عدم حجية الظن الذي هو حكم الذهن الراجح، فغاية ما هناك أن يكون دليلًا عامًّا في ذلك قابلًا للتخصيص، وحينئذٍ فيكون مخصَّصًا بالأدلة الموجبة العملَ بالظن بشرطه، وهي كثيرة.
أولها: أن يقال: إن أدلة الأحكام أكثرها ظنية، كما يعلمه من كانت له أدنى مُسْكةٍ، فلو لم يتعيَّن العمل بالظن بشرطه لكانت أكثر الأحكام مهملةً أو مجملة، أي أن ما لم يثبت متنُ دليله ثبوتًا قطعيًا يبقى مهملًا، وما ثبت متنُ دليله ثبوتًا قطعيًا ولم يدلَّ دلالة قطعية يبقى مجملًا. وهذا باطلٌ لما لا يُحصَى من الأدلة: