للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعليق على حديث: «إن الله قد أعطى كلَّ ذي حق حقه»]

حديث أبي داود وابن ماجه والترمذي (١): «إن الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه فلا وصيةَ لوارثٍ» دليل واضح على أن الناسخ لآية الوصية هي آية المواريث المشار إليها بقوله: «إن الله قد آتى كل ذي حقٍّ حقَّه». والحديث إنما هو بيان لما دل عليه القرآن في هذا، فكأن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن الله قد آتى كل ذي حقٍّ حقَّه» من باب ذكر الملزوم على سبيل الاستدلال، ثم عقَّبه بقوله: «فلا وصية لوارث» بيانًا للازم، أي قد ثبت إيتاء الله كلَّ ذي حق حقه، فلَزِم منه أن لا وصية لوارث، وذلك أن الوصية للوارث إنما شُرعت أولًا لأجل أداء ما لَه من الحق، ثم علم الله تعالى أن ابن آدم لا يمكنه الوفاء بمقتضى الحق لعدم علمه، قال تعالى: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: ١١]، ففرض المواريث بحكمه كما قال تعالى عقب ذلك: {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: ١٢]، أي حالَّة محل الوصية التي أُمرتم بها.

والآية واضحة في نسخ آية الوصية، وبيَّنَها الحديث، فكأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: إن الوصية للوارث إنما شرعت لأداء ما له من الحق، ثم إن الله تعالى فرض لكل ذي حق حقَّه، فلم يبقَ للوصية معنى لأنها إنْ وقعت بمقدار ميراثه كانت تحصيل حاصل، وإن وقعت بأكثر كان فيها زيادة عن حقه الذي علمه الله له


(١) أبو داود (٢٨٧٠، ٣٥٦٥)، والترمذي (٢١٢٠)، وابن ماجه (٢٧١٣) من حديث أبي أمامة. وقد روي من حديث عمرو بن خارجة عند الترمذي (٢١٢١) وغيره، ومن حديث أنس عند ابن ماجه (٢٧١٤) وغيره. والحديث «حسن صحيح» كما قال الترمذي عقب حديث أبي أمامة وحديث عمرو بن خارجة.