قال:(ولكن ما لبث الأمر أن انقلب بعد أن اغترَّ بعض المسلمين بمن أسلم من أحبار اليهود خدعة (؟) فظهرت أحاديثُ رفعوها إلى النبيّ تبيح الأخذ وتنسخ ما نهى عنه، فقد روى أبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»).
أقول: صحَّ هذا من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عَمرو وأبي سعيد الخدري، وليس بمخالف لما تقدم، كيف والحجة مما تقدم إنما هي في حديث أبي هريرة، فأما حديث جابر فلم يصح، وأثر ابن عباس مِنْ قوله، وقد بيَّنه سياقُه وفِعْلُه، وأثر ابن مسعود ــ إن صحّ ــ فقد تقدم حمله، ولو كان مخالفًا لكان رأي صحابيّ قد خالفه غيره، فالحجة في حديث أبي هريرة فقط، وهو بيِّن في الإذن بالسماع والاستماع، ولم ينه إلا عن التصديق أو التكذيب بلا حجة. والرواية إما في معنى السماع والاستماع، فيدلّ الحديث على الإذن فيها، وإما مسكوتٌ عنها، فتبيّن أن حديث:«حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»(١) غير مخالف لحجة، ولو كان مخالفًا فأيُّما أولى أن يؤخذ به؟ أدلةُ المنع قد عرفتَ حالها، أما أدلة الجواز فصنيع القرآن والسنن الثابتة، وحديثٌ صحيح صريح يرويه جماعة من الصحابة، وعَمَل عمر وعثمان وجماعة من الصحابة.
قال:(وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو من تلاميذ كعب الأحبار).
أقول: لم يتعلّما من كعب شيئًا وإنما سمعا منه شيئًا من الحكايات ظنَّا أو جوَّزا صحتها فنقلاها، والذي يصح عنهما من ذلك شيء يسير. وكأنَّ أبا ريَّة يريد أنهما لمّا سَمِعا من كعب أحبَّا أن يرويا عنه، فخافا أن ينكر الناسُ عليهما، فافتريا ــ والعياذ بالله ــ على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذاك الحديث يدفعان به إنكار