الناس، وساعدهما على ذلك غيرهما من الصحابة كأبي سعيد الخدري. كأنَّ أصحابَ محمد - صلى الله عليه وسلم - جماعة من اللصوص لا يَزَعهم دين ولا حياء، وكأنَّ صُحبتهم له ومجالستهم، وحفظهم للقرآن والسنن، ومحافظتهم على الطاعة طول عمرهم لم تُفِدْهم في دينهم وأخلاقهم شيئًا بل زادتهم وبالًا، فقد كانوا في جاهليتهم يتحاشَون من الكذب. ولا ريب أنَّ مِثْل هذا لا يقوله مسلم عاقل يعرف محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ويؤمن بالقرآن وما فيه من الثناء البالغ على الصحابة، ويعرفُ الصحابةَ أنفسَهم. ولو أريد من ثلاثة معروفين من أصحاب السيد رشيد رضا أن يتَّفقوا على الكذب عليه لغرضٍ من الأغراض لعزَّ ذلك، مع الفارق العظيم بين هذا وذاك من وجوه عديدة.
هذا، وسبيل المؤمنين الذي جرى عليه العمل في حياة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وفي عهد أصحابه: قبول خبر الصحابي الواحد، فإن عَرَض احتمال خطأ أو نحوه (١) فقام صحابيّ آخر فأخبر بمثل ذاك لم يبق إلا القبول، كما يروى في خبر محمد بن مَسْلمة بمثل ما أخبر به المغيرة في ميراث الجدّة فأمضاه أبو بكر، وكشهادة أبي هريرة لحسَّان بإنشاده الشعر في المسجد في حياة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأقرَّه عمر، وكخبر أبي سعيد الخدري بمثل خبر أبي موسى في الاستئذان فاطمأنّ إليه عمر، وقد قال الله تبارك وتعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: ١١٥].
قال أبو ريَّة: (وقد جاءت الأخبار بأن الثاني وهو عبد الله بن عمرو بن العاص أصاب يوم اليرموك زاملتين من علوم أهل الكتاب، فكان يحدّث منهما بأشياء كثيرة من