إنّ ممّا امتازت به الأمة الإسلامية: حفظ تاريخ قدمائها، وتراجم علمائها. والباعث الأول على ذلك هو حفظ علم الأنساب وتواريخ الأمم، والنصوص الدينية، وتيسير التمكّن من نقد الروايات، وتمييز الصحيح من غيره، ولهذا تجد غالب التواريخ إنّما هي في تراجم رواة العلم، والتآليف في ذلك كثيرة جدًّا؛ فقلّ عالم إلاّ وقد قيّد أسماء شيوخه وأحوالهم ووفياتهم، مع مَن تيسّر له مِن غيرهم، لكن لما كان المتأخر ينقل في تصنيفه كلام من تقدّمه، ويغلب أن يكون تصنيف المتأخر أكثر جمعًا وأحسن ترتيبًا؛ كانت عناية الناس تتجه غالبًا إلى حفظ مؤلفات المتأخرين، وقد قال أبو خراش الهذلي فيما يلاقي هذا:
على أنّها تعفو الكلوم وإنما ... نوكَّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي
هذا مع ضياع ألوف مؤلفة من تلك المؤلفات بالنكبات العامة؛ كالجارف التتري بالشرق، والطغيان الصليبي بالغرب، والسُّبات العميق الذي وقعت فيه الأمة منذ قرون، والقناعة من العلم الديني بمختصرات المتأخرين في الفقه ونحوه، وإهمال كتب الفقهاء المتقدمين، فضلاً عن كتب السنة المطولة أو كتب الرجال.
* ابتداء التأليفات في التواريخ وكتب الرجال وأصنافها:
مِن أول مَن عُرفَ بالتأليف في تواريخ الرجال: الإمام الليث بن سعد