للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعضهم تركَه في وقتٍ ما لبيان الجواز أو غيره مما تقدم. والله أعلم.

وأما الأمر السابع ــ وهو قول الكوثري: "فيدل ذلك على التخيير الأصلي" ــ فإن أراد بالتخيير الأصلي أن أحد الأمرين مندوب والآخر جائز، فهذا وجيه. ويتعين أن يكون المندوب هو الرفع، فيكون تركه تركًا لمندوب، وهو جائز في الجملة، ولا يصح عكسه. فإن مَنْ يرفع إنما يرفع على وجه التعبد كما لا يخفى، ولو كان الرفع غير مشروع لكان (١) فعله على وجه التعبد بدعة وكذبًا على الله تعالى وتكذيبًا بآياته، فكيف يقال: إنه جائز؟

وإن أُريد أن كلا الأمرين مندوب، فندبُ الرفع حق ثابت معقول، ولا دليل على ندب الترك مطلقًا. ولا هو مع ندب الفعل بمعقول، فإن ترك المندوب حيث نُدِب إنما يكون مكروهًا أو خلاف الأولى، والتخيير بين مندوبَيْن إنما يكون بين فعلين كالأذكار المأثورة في افتتاح الصلاة، إذا ثبت منها اثنان مثلًا، فيقال: أيهما أتى به المصلي فقد أحسن. وإذا أتى بأحدهما لم يكن تركه للآخر مكروهًا ولا خلافَ الأولى، لأنه إنما تركه إلى آخر يقوم مقامه.

فإن قيل: فهاهنا أيضًا أمران: الرفع والسكون، فمن ترك الرفع فقد أتى بالسكون وهو مندوب.

قلت: السكون ترك، وإنما شُرع السكون في الصلاة عن الحركات التي لم تُشرع فيها، كما في "صحيح مسلم" (٢) وغيره من حديث جابر بن سمرة


(١) في المطبوع: "فكان". والمثبت يقتضيه السياق.
(٢) رقم (٤٣١). وأخرجه أيضًا النسائي (٣/ ٦٤) والبيهقي في "الكبرى" (٢/ ١٨١).