للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى يصير الخضوعُ للحق ومخالفةُ الهوى عادةً له.

٩ - يأخذ نفسَه بالاحتياط في ما يخالف ما نشأ عليه، فإذا كان فيما نشأ عليه أشياء يرى أنه لا بأس بها، أو أنها مستحبة، وعلم أن من أهل العلم من يقول: إنها شرك أو بدعة أو حرام، فليأخذ نفسه بتركها حتى يتبيَّن له بالحجج الواضحة صحةُ ما نشأ عليه. وهكذا ينبغي له أن ينصح غيرَه ممن هو في مثل حاله. فإن وجدتَ نفسَك تأبى ذلك، فاعلم أنّ الهوى مستحوِذ عليها، فجاهِدْها.

واعلم أنّ ثبوت هذا القدر على المكلَّف ــ أعني أن يثبت عنده أنَّ ما يُدعى إليه أحوطُ مما هو عليه ــ كافٍ في قيام الحجة عند الله عز وجل. وبذلك قامت الحجة على أكثر الكفّار. فمِنْ ذلك المشركون من العرب، لم يكن في دينهم الذي كانوا عليه تصديق بالآخرة، وإنما يَدْعون آلهتهم ويعبدونها للأغراض الدنيوية، مع علمهم أنَّ مالكَ الضرِّ والنفعِ هو الله عز وجل وحدَه، ولذلك كانوا إذا وقعوا في شدّةٍ دَعَوا الله وحده. قال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: ٣٢]. وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٦٧].

وكانوا يرون مَن هو على خلاف دينهم لا يظهر تفاوت بينه وبينهم في أحوال الدنيا، وعرفوا فيمن أسلم مثلَ ذلك، ثم عُرض عليهم الإسلام، وعرفوا ــ على الأقل ــ أنه يمكن أن يكون حقًّا، وأنه إن كان حقًّا ولم يتبعوه تعرَّضوا للمضارّ الدنيوية وللخسران الأبدي في الآخرة، فلزمهم في هذه الحال أن يُسْلِموا؛ لأنه إن كان الأمر كما بدا لهم من صحة الإسلام فقد أخذوا منه بنصيب، وإلا فتركهُم لما كانوا عليه لا يضرُّهم كما لا يتضرَّر من