للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرجوع ولا شدّد هذا التشدّد ... وذلك العالم المفروض خطاؤه لم يعترف بعدُ بالخطأ اعترافَ الشافعيّ بخطئه في القديم ... وها هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ... ألَّف كتابًا سماه: "ما خالف فيه الشافعي كتاب الله وسنة رسوله ... " فهل نصدّقه فيما يقول بالنظر إلى مبالغة ابن خزيمة في الثناء عليه حيث يقول: "ليس تحت قبّة السماء أحد أعلم باختلاف الصحابة والتابعين واتفاقهم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم". ولو كان أصل الحكاية: نظرتُ في كتابٍ لأبي حنيفة لاستقام المعنى، على تقدير التغاضي .... ".

أقول: أما فرض (١) أن تلك الحكاية مما أسرّ به الشافعيُّ إلى ابن عبد الحكم؛ فلا معنى للإسرار، فلم يكن الشافعي يخاف من الحنفية وقد هاجمهم وصادمهم في مقرّ ملكهم بغداد في حياة محمد بن الحسن وبعده، حتى كادت قُواهم تضمحلّ، لولا أنهم لجأوا إلى قوة الدولة كما هو معروف في التاريخ، ومرّت الإشارة إلى طَرَف منه في ترجمة محمد بن سعد العوفي (٢)، فبقوّة الدولة ثم بتعصّب الدول التي جاءت بعد ذلك، وبتعصّب الأعاجم، وباختلاق المناقب الغالية، كما مرّ بعضُ أمثلته في ترجمة محمد بن سعيد البورقي (٣) انتشر مذهب أبي حنيفة. فالملوك والأمراء يرون مذهب أبي حنيفة أقرب إلى أهوائهم لتحليل بعض المسكر وغيره، ولاسيَّما مع ما فيه من الحِيَل التي كان يتقرّب بها القُضاة إلى الأمراء، حتى


(١) هنا أشار المؤلف بعلامة (=) إلى أن تكملة الكلام في (ص ١٠٨)، وما أحال إليه الشيخ كان قد ضرب عليه هناك، لكنه وضع أمامه علامة (=) إشارة إلى نقله في هذا الموضع.
(٢) من "التنكيل": (١/ ٧٥٥ - ٧٥٩) وليس فيها ما أشار إليه المؤلف.
(٣) من "التنكيل": (٢/ ٧٥٩ - ٧٦٣).