في «تاريخ بغداد»(١٣/ ٣٩٠ [٤٠٧]) من طريق يوسف بن أسباط قال: «وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقرِع بين نسائه إذا أراد أن يخرج في سفر، وأقرع أصحابه، وقال أبو حنيفة: القرعة قمار».
قال الأستاذ (ص ٨٧): «وأما مسألة القرعة، فقد قصرها أبو حنيفة على موردها وقال: إنما يجري الإقراع عند إرادة السفر بين النساء، وعند القسمة التي ليس فيها إبطال حق ثابت، باعتبار أن القرعة وردت في ذلك على خلاف القياس».
أقول: الذي في كتب الحنفية عن أبي حنيفة أنه لا حكم للقرعة، وإنما تُستحبُّ تطييبًا للنفس، ثم لا يلزم العمل بها، فللزوج أن يخرج بأي أزواجه شاء، حتى لو أقرَعَ فخرج سهمُ إحداهن، فله الخروج بغيرها. وهكذا في القسمة يكون حق التعيين للقاضي. وقد بقيت للقرعة موارد أخرى. ودعوى أنها خلاف القياس كأنه أريد بها أنها في الأصل قمار. وسنوضِّح بعون الله عز وجل بطلان ذلك، ونُثبت أن القرعة في بابها قياس من أعدل الأقيسة وأقومِها وأوفقها بالأصول، وأن جعل التعيين إلى الزوج والقاضي في الفرعين السابقين هو المخالف للأصول.
اعلم أن صورة القرعة قد تستعمل في أربعة أبواب:
الباب الأول: أن يُقصد بها إبطالُ حقِّ صاحب الحق وجعلُه لمن لا حق له، كأن يقول الرجل لصاحبه: ألقِ خاتمَك، وأُلقي خاتمي، ونقترع عليهما، فأيُّنا خرج سهمُه استحقَّ الخاتمين. أو يقول أحدهما: أُقارِعك على خاتمي