للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الأستاذ (١): "وقوله: الواو للترتيب، والباء للتبعيض، مما لا يعرفه أحد من أئمة اللسان، بل الأولى للجمع مطلقًا، والثانية للإلصاق".

أقول: هذه مجازفة قبيحة، أما في الواو فمن وجهين:

الأول: زعم أن الشافعي قال: "الواو للترتيب" ولم يقل الشافعيُّ هذا قطّ ولا ما يؤدّي معناه. فأما إيجابه ترتيب الوضوء فهذه عبارته كما في "الأم" (٢): "قال الله عزَّ وجلَّ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦] قال: وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أمره الله عزَّ وجلَّ، وبدأ بما بدأ الله تعالى به، قال: فأشبه ــ والله تعالى أعلم ــ أن يكون على المتوضئ شيئان: أن يبدأ بما بدأ الله ثم رسوله عليه الصلاة والسلام منه ... فمن بدأ بيده قبل وجهه [ص ٧] ... كان عليه عندي أن يعيد ... وإنما قلت: يعيد، كما قلتُ وقال غيري في قول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨]، فبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصفا وقال: "نبدأ بما بدأ الله به" (٣). ولم أعلم خلافًا أنه لو بدأ بالمروة ألغى طوافًا حتى يكون بدؤه بالصفا. وكما قلنا في الجمار: إن بدأ بالآخرة قبل الأولى أعاد حتى تكون بعدها، وإن بدأ بالطواف بالصفا والمروة قبل الطواف بالبيت أعاد، فكان الوضوء في هذا المعنى أوكد من بعضه عندي، والله أعلم".


(١) (ص ٥٠).
(٢) (٢/ ٦٥).
(٣) أخرجه مسلم (١٢١٨) بلفظ: "أبدأ بما ... ".