للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثاني

باء الجرِّ تأتي لعدة معاني (١)، اقتصر الأكثر هنا على معنيين، وذكروا أن غيرها لا يأتي إلا بتعسف:

أحدهما: الاستعانة.

الثاني: المصاحبة.

قالوا ــ والعبارة للصبَّان في "رسالة البسملة" ــ: "وباء الاستعانة هي الداخلة على واسطة الفعل المذكور معها التي يتوقف وجوده عليها، كما في كتبت بالقلم، وتسمى باء الآلة ... وباء المصاحبة هي التي يصلح موضعها "مع" ويغني عنها وعن مصحوبها الحال، كما في {اهْبِطْ بِسَلَامٍ} [هود: ٤٨] أي مع سلام، أو مسلِّمًا" (٢).

أقول: أما باء الاستعانة، فظاهر عباراتهم اختصاصها بالدخول على الآلات، نحو كتبتُ بالقلم، ونَجَرتُ بالقَدُوم، وخِطْتُ بالإبرة؛ ولكن قد يُنَزَّل ما ليس بآلة منزلةَ الآلة. وفي ذلك نظر ليس هذا موضعه، وربما يأتي شيء منه عند تقرير المعنى، إن شاء الله تعالى.

وأما المصاحبة، فهو معنى واضح، ولكن الأولى في تفسير {اهْبِطْ بِسَلَامٍ} أن يقال: اهبط معك سلام؛ [٤٣/أ] فإنَّ كلمة "مع" تُشعر بأنَّ ما تضاف إليه متبوع، تقول: حج الخادم مع سيَّده، ولا يحسن أن يقال: حجَّ


(١) كذا في الأصل بثبوت الياء.
(٢) "الرسالة الكبرى" للصبان (٨ - ٩).