ولما كنتُ قاضيًا بجيزانَ سمعت برجلٍ حضرمي هذه حِرفتُه، فرأيت أن أعزِّره وأمنعه من هذه المعاملة، وأردَّه في ما بقي له من الديون إلى رأس ماله، ثم عرضتُ ذلك على شيخنا الإمام محمد بن علي بن إدريس رحمه الله، فأقرَّني على ذلك.
ثم سُئلت مرارًا عن بيع النَّساء بزيادة في الثمن فأجبت أن التاجر الذي يبيع بنقد إذا طُلِبت منه سلعة بنسيئة فلا أراه حرامًا، ومثله غير التاجر إذا كانت عنده سلعة فطُلِبت منه بنسيئة فباعها بثمن لو طلبت منه بنقد لباعها بأقلَّ منه، وأما من إذا طلبت منه السلعة بنقد أو بنسيئة إلى أجل قريب بقيمة مثلها لم يبع، وإنما يرصدها للنسيئة؛ لتحصل له زيادة لها قدر، فلا أراه إلا حرامًا، ولاسيما إذا علم أو ظن أن المشتري إنما يريد القرض، ولما لم يجد من يُقرِضه قرضًا حسنًا، واستشنع الربا الظاهر أو لم يجد من يعطيه بربا، اضطر أن يشتري سلعة بعشرة إلى شهرين مثلًا، ويتعب بحملها، وطلب من يشتريها منه بثمانية نقدًا ليأخذ الثمانية فيسدّ بها حاجته.
هذا والغالب أن الذين يأخذون من مثل ذلك الحضرمي هم الفقراء والذين عرفوا بالمطل، فإنهم يمطلونه؛ لأنهم يرون أنه ظالم لهم ولغيرهم، ولكنه لا يبالي؛ لأنه قد اعتاد الإلحاح في التقاضي، والتشديد فيه، وقد مرَّ الفرق بين العينة وبين بيع النَّساء الذي لا حيلة فيه. والله أعلم.
الصورة الثانية: الانتفاع بالرهن:
اتفق العلماء على تحريمه؛ لأنه ربا، وإنما أجاز بعضهم في رهن الدابة أن ينفق عليها المرتهن ويركبها أو يحلبها بقدر ما أنفق عليها متحرِّيًا العدل