للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.

أما بعد، فهذه رسالة في أحكام الحديث الضعيف، جمعتُها لما رأيت ما وقع للمتأخرين من الاضطراب فيه؛ فنَسَب بعضُهم إلى كبار الأئمة الاحتجاجَ به، ونَسَب غيرُه إلى الإجماع استحبابَ العمل به في فضائل الأعمال ونحوها، وتوسّع كثيرٌ من الناس في العمل به، حتى بنوا عليه كثيرًا من المحدَثات، وأكَّدوا العمل بها، وحافظوا عليها أبلغ جدًّا من محافظتهم على السنن الثابتات، بل والفرائض القطعيات.

بل كثيرًا ما بنوا عليه عقائد مخالفة للبراهين القطعية من الكتاب والسنة والمعقول. ولم يقتصروا على الضعاف بل تناولوا الموضوعات.

وأنكر جماعةٌ جواز العمل بالضعيف مطلقًا، حتى قال بعضهم كما نقله ابن حجر الهيتمي في "شرح الأربعين النووية" (١): "إن الفضائل إنما تُتلقى من الشارع، فإثباتها بما ذُكِر اختراعُ عبادة وشَرْعٌ لما لم يأذن به الله".

ومَن تأمل هذه العبارة وجدها تُنبئ أن إثبات الفضائل بالضعيف شرك؛ لأن شَرْع ما لم يأذن به الله كذلك، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١]. وسيأتي تقرير هذا المعنى إن شاء الله تعالى (٢).


(١) (ص ٦).
(٢) (ص ١٧٤ - ١٧٥).