للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اعلم ــ وفقني الله وإيّاك ــ أنّ (إذا) قد تفيد التكرار في نحو قولك: ما لي أرى زيدًا إذا دَخَل عمروٌ قام، وعلامتها أن تحلّ محلها (كلّما) وذلك خاصٌّ بما إذا تجرَّدت عن الاستقبال وصارت للاستمرار، فتدبّر أيُّها الذوَّاق.

إذا تقرّر ذلك فقوله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخْلَفَ، وإذا اؤتمن خان" رواه البخاريُّ (١)، وكذا مسلمٌ (٢) بزيادة بعد ثلاث: "وإنْ صامَ وصلى وزعم أنَّه مسلم".

ورَوَيا أيضًا (٣): "أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومَن كانت فيه خَصلةٌ منهنَّ كان فيه خَصلة من نفاقٍ حتى يدعَها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" هـ.

فـ (إذا) فيهما من هذا الباب ــ أعني ــ: أنّ المراد مَنْ غلبت عليه هذه الخصالُ أضدادَها فهو منافق؛ لأنه يبعد أن يُحمل الحديث على ظاهره مِنْ عموم هذه الخصال الأربع وانتفاء أضدادها قطعًا، فلم يبقَ إلا أن نحمله على أقرب شيءٍ إلى المحضيّة، وذلك الغلبة.

فنحن نعتقد أنّ هذه الخصال لا تغلب إلا على منافق خالصِ النفاق الشرعي الذي هو خلاف الإيمان.


(١) (٣٣) من حديث أبي هريرة.
(٢) (٥٩/ ١٠٩) من حديثه أيضًا.
(٣) البخاري (٣٤)، ومسلم (٥٨) من حديث عبد الله بن عمرو.