للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاءت آثارٌ أخرى قد يؤخذ منها أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يسمع ما يقع من الأصوات عند قبره بأبي هو وأمي، ولكن لم أقف على ما هو صحيح صريح في ذلك، ولم يثبت عن السلف مخاطبته عند القبر إلا بالسَّلام، وأنت خبير أنَّ السلام ليس فيه سؤال ولا استعانة ولا استغاثة، وإنما هو دعاء له - صلى الله عليه وسلم -.

وقد اختلف أهل العلم في سماع الموتى فأنكرتْه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وغيرها سلفًا وخلفًا، واحتجُّوا بقوله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [النمل: ٨٠ - ٨١] (١). وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [الأنعام: ٣٥ - ٣٦]، وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر: ٢٢ - ٢٣].

[٥٥٠] ولم تقبل عائشة حديث ابن عمر وغيره في وقوف النبي - صلى الله عليه وسلم - على قتلى المشركين الذي أُلْقُوا في قليب بدر وندائه إياهم بأسمائهم وقوله: «هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًّا» فقيل له: يا رسول الله, أتخاطب أقوامًا قد جَيَّفُوا؟ فقال: «ما أنتم بأسمع لما أقول


(١) ومثلها في سورة الروم: ٥٢ - ٥٣. [المؤلف]. ووقع في الأصل ٢٥ - ٣٥.