للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهم»، فقالت عائشة: «ما قال: إنهم يسمعون ما أقول، إنما قال: إنهم الآن ليعلمون أنَّ ما كنتُ أقول لهم حق» (١). تعني: وأمَّا مخاطبته - صلى الله عليه وسلم - لهم فلم تكن لكي يسمعوا، وإنما المقصود منها اعتبار مَن يسمعه من الأحياء أو يبلُغه.

وقال جماعة: أمَّا الموتى فلا يسمعون، ولكنَّ الله تعالى أسمع أهل القليب كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال تعالى في آية فاطر: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: ٢٢] فدلَّ أنَّ العادة المستمرَّة عدمُ سماعهم، ولكنَّ الله تعالى إذا شاء أسمعهم.

وفي صحيح البخاريِّ: «قال قتادة: أحياهم الله ــ يعني أهل الطَّوِيِّ (٢) ــ حتى أسمعهم قولَه - صلى الله عليه وسلم - توبيخًا وتصغيرًا ونقمةً وحسرةً وندمًا» (٣).

وفي فتح الباري: «والجواب عن الآية: أنه لا يُسمعهم وهم موتى ولكنَّ الله أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة ... , وقال السهيلي ما محصَّله: إنَّ في نفس الخبر ما يدلُّ على خرق العادة بذلك للنبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم؛ لقول الصحابة له: أتخاطب أقوامًا قد جَيَّفوا .... ».

ثم قال الحافظ: «وقد اختلف أهل التأويل في المراد بالموتى في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، وكذلك المراد بـ {مَنْ فِي الْقُبُورِ}، فحملته


(١) انظر: صحيح البخاريِّ، كتاب المغازي، باب قتل أبي جهلٍ، ٥/ ٧٦ - ٧٧، ح ٣٩٧٩. [المؤلف]
(٢) أي: البئر. انظر: القاموس المحيط ١٦٨٧.
(٣) صحيح البخاريِّ، الموضع السابق، ٥/ ٧٦، ح ٣٩٧٦. [المؤلف]