للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التدليس قرينة. وأما غيره فإذا سمّى شيخًا، ولم يثبت عندنا معاصرته له، فمن المحتمل أنه كان معروفًا عند أصحابه أنه لم يدركه، فاعتدَّ بعلمهم بذلك قرينةً. وأهلُ العلم كثيرًا ما ينقلون في ترجمة الراوي بيان مَن حدّث عنهم ولم يلقهم، بل أفردوا ذلك بالتصنيف كـ"مراسيل ابن أبي حاتم" وغيره، ولم يعتنوا بنقل عدم الإدراك لكثرته، فاكتفوا باشتراط العلم بالمعاصرة.

فأما إذا أبهم، فلم يسمِّ، فهذا الاحتمال منتف؛ لأن أصحاب ذاك التابعي لم يعرفوا عينَ ذلك الصحابي، فكيف يعرفون أنه لم يدركه أو أنه لم يلقه؟ ففي هذا تنتفي القرينة، وإذا انتفت ظهر السماع، وإلا لزم التدليس، والفرضُ عدمُه. هذا ما ظهر لي، وعندي فيه توقّف.

[١/ ٨١] المبحث الرابع: اشتراط العلم باللقاء أو بالمعاصرة، إنما هو بالنظر إلى من قُصدت الرواية عنه. فأما من ذُكر عَرَضًا، فالظاهر أنه يكفي فيه الاحتمال. فإذا كان غير مسمّى فالأمر أوضح، لما مرَّ في المبحث السابق، وذلك كما في حديث "الصحيحين" (١) من طريق عبد العزيز بن صُهيب قال: سأل رجل أنس بن مالك: ما سمعتَ نبيَّ الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر في الثوم؟ فقال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ... " لفظ مسلم. ولفظ البخاري: "سئل أنس عن الثوم، فقال: قال النبي صلى الله عليه ... " عبد العزيز معروف بصحبة أنس، ولا ندري مَن السائل؟

ومِن ذلك ما في "صحيح مسلم" (٢) من طريق حنظلة قال: "سمعت


(١) البخاري (٨٥٦)، ومسلم (٥٦٢).
(٢) (١٦).