للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما ما رواه عبد الله بن أحمد: "أنه سأل أباه عن الرجل يكون ببلدٍ لا يجد فيها إلا صاحبَ حديث لا يدري صحيحه من سقيمه، وصاحبَ رأي، فمن يسأل؟ قال: يسأل صاحبَ الحديث" (١).

فوجْهُه أنه رأى أن كلام الرجلين يمكن أن يصيب ويمكن أن يُخطئ، والخطأ مع قَصْد الاتِّباع خير من الخطأ على قَصْد العمل بالرأي، والفَرْضُ أن صاحبَ الرأي جاهل بالحديث كما هو ظاهر.

وفي مذهب أحمد كثير من المسائل بناها على القياس وخالف أحاديث ضعيفة وردت فيها، منها المسائل التي نُسِب إلى أبي حنيفة أنه بناها على أحاديث ضعاف مخالفة للقياس، كانتقاض الوضوء بالقهقهة في الصلاة وغيرها.

الأمر الثالث: ما حُكي عن أبي داود أنه يحتجّ بالضعيف إذا لم يكن في الباب غيره. وكأنّهم أخذوا ذلك من قوله في "رسالته إلى أهل مكة" (٢): "وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى ... فإذا لم يكن مسند غير (٣) المراسيل، ولم يوجد المسند، فالمرسل يُحتجّ به، وليس هو مثل المتصل في القوّة ... وأما ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينتُه، ومنه ما لم يصح سندُه. وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح".

هذا مع أن في كتابه أحاديث ضعيفة سكت عنها.


(١) في "مسائل عبد الله" (ص ٢٧٥) بنحوه، وانظر "تاريخ بغداد": (١٣/ ٤٤٨)، و"ذم الكلام": (٢/ ٢٦٤) للهروي.
(٢) (ص ٦٤ - ٦٩).
(٣) كذا، والذي في الأصول الخطية للرسالة "ضد" وهو الأصح من جهة المعنى.