فلو فَرَضْنا أن النصوص الواردة في التساهل تدلّ على ما ذهب إليه النووي وموافقوه، فإن نصوصَ غيرهم ممن ذكره الخطيب في هذا الأبواب تخالف ذلك؛ فبطلت دعوى الإجماع قطعًا.
ولا يجوز أن يقال: تُحمل نصوص التشديد مطلقًا على النصوص المفصلة؛ لأن ممن جاء عنه التشديد مطلقًا مَن لم يجئ عنه التفصيل، ولا يصح تخصيصُ أو تقييدُ نصِّ إمام بنصّ غيره.
ألا ترى أن نصوص مالك العامة لا يجوز تخصيصها أو تقييدها بنصوص الشافعي؟!
[ص ٣٣] فصل
ولو سَلِمَت دعوى الإجماع من النقض فغايتُه أن يكون إجماعًا سكوتيًّا ضعيفًا، والإجماعُ السكوتيّ القويّ: أن يُنْقَل أن بعض المجتهدين قال: كيتَ وكيتَ، وبلغ ذلك سائرَ المجتهدين في ذلك العصر فسكتوا. والضعيف هو: أن يُنْقَل عن بعض المجتهدين، ثم يبحث المطّلع فلا يعلم لهم مخالفًا. وقد أنكر الإمامان الشافعي وأحمد تسمية مثل ذلك إجماعًا، وقالا: ينبغي أن يقول: "قال جماعة ممن قبلنا، ولا أعلم لهم مخالفًا" أو نحو هذا.
ويظهر من مذهبيهما أن مثل هذا حجة ضعيفة يُصار إليه إذا لم يوجد دلالة من الكتاب ولا من السنة، وعلى هذا تدلّ الآثار عن الصحابة. وعلى كل حال فإن القائلين بحجيّة الإجماع السكوتي يعترفون بأنه حجة ظنيّة، والدلائل الظنية لا تثبت بها مسائل الأصول، ومسألتنا منها.