للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ص ٢٦: (وثانيهما عدم تدوين الصحابة الحديث ونشره).

أقول: أما النشر فقد نشروه بحمد الله تعالى، وبذلك بَلَغنا. وأما التدوين فيعني به الجمع في كتاب كما جمعوا القرآن، فاعلم أن الله تبارك وتعالى تكفَّل بحفظ القرآن وبيانِه وهو السُّنة كما مرَّ (١)، وما تكفَّل الله بحفظه فلابدّ أن يُحفظ. وقد علمنا من دين الله أنّ على عباده مع إيمانهم بحفظ ما تكفَّل بحفظه أن يعملوا ما من شأنه في العادة حفظ ذاك الشيء، وأنه لا تنافي بين الأمرين. وفي «جامع الترمذي» و «المستدرك» (٢) وغيرها عن أبي خُزامة عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أرأيت رقًى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، وتُقَاة نتَّقيها هل تَردُّ من قَدَر الله شيئًا؟ قال: «هو من قَدَر الله».

فأما القرآن فأمروا بحفظه بطريقين: الأولى: حفظ الصدور، وعليها كان اعتمادهم في الغالب. الثانية: بالكتابة فكان يُكْتَب في العهد النبوي في قطع صغيرة من جريد النخل وغيرها، فلما غزا المسلمون اليمامة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقليل استحرَّ القتل بالقُرَّاء قبل أن يأخذ عنهم التابعون، فكان ذلك مظنَّة نقص في الطريق الأولى، فرأى عمر المبادرة إلى تعويض ذلك بتكميل الطريق الثانية، فأشار على أبي بكر بجمع القرآن في صحف، فنفر منها أبو بكر وقال: «كيف نفعل ما لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»؟ فقال عمر: «هو والله خير» (٣).


(١) (ص ٤٢ ــ ٤٣).
(٢) الترمذي (٢١٤٨)، والحاكم: (١/ ٣٢). وأخرجه أحمد (١٥٤٧٢)، وابن ماجه (٣٤٣٧). وفيه ضعف راجع حاشية المسند: (٢٤/ ٢١٧).
(٣) أخرجه البخاري (٧١٩١).