للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤٩/ب] الفصل الثامن

{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

هما اسمان مشتقان من الرحمة، وقد كثر الكلام فيهما، والذي يتلخص لي أنهما اسمان مشتقان من الرحمة، يدلَّان على المبالغة، إلا أن "الرحمن" اشتق من (رحم) معتبرًا فيه اللزوم، حملًا له على ضدِّه: "خشي".

قال سيبويه: وأما خشيتُه، فأنا خاشٍ، والقياس خشٍ، فالأصل أيضًا: خشيت منه، فحمل على رحِمْتُه، حملَ الضدِّ على الضدِّ. ولهذا جاء الفاعل منه على خاشٍ والقياس: خشٍ، لأن قياس صفة اللازم من هذا الباب "فَعِل". وكذا كان قياس مصدره "خَشىً"، فقيل: خشية، حملًا على رحمة (١).

أقول: وقد عرف من عادتهم أنهم إذا حملوا لفظًا على آخر في شيء عادوا فحملوا الآخر عليه في شيء آخر. فلما حملوا "خشي" على "رحم" في تعديته بنفسه، وفي صيغة الصفة منه، والمصدر = عادوا فحملوا "رحم" على "خشي" في اعتباراته كأنه لازم حتى اشتقوا منه صيغة فعلان، فقالوا: رحمان، كما قالوا: رجل خشيان. ولا يلزم من حمل اللفظ على اللفظ حمله عليه في كل شيء.


(١) هذا النص منقول من "شرح شافية ابن الحاجب" للرضي (١/ ٧٣).
ولفظ سيبويه في "كتابه" (٤/ ١٩): "وقالوا: خشيتُه خَشْيةً وهو خاشٍ، كما قالوا: رحِمَ وهو راحِم، فلم يجيئوا باللفظ كلفظ ما معناه كمعناه، ولكن جاؤوا بالمصدر والاسم على ما بناءُ فعله كبناء فعله".