وهذه سيرة عمر بين أيدينا، لم يُعْرَف عنه ولا عن أحد من أئمة الصحابة وعلمائهم استدلالٌ بالتحديث والإلهام في القضايا الدينية، بل كان يَخْفى عليهم الحكمُ، فيَسألون عنه، فيخبرهم إنسان بخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيصيرون إليه. وكانوا يقولون القول، فيخبرهم إنسان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخلافه، فيرجعون إليه.
وأما الفراسة، فإن المتفرِّس يمكنه أن يشرح لغيره تلك الدلائل التي تنبَّه لها، فإذا شرحها عُرِفت، فإن كانت مما يُعتدُّ به عُمِل بها لا بالفراسة.
[٢/ ٢٤٤] فصل
مهما يكن في المأخذَين الخَلَفيين من الوهن، فإننا لا نمنع أن يُسْتند إليهما فيما ليس من الدين ولا يدفعه الدين، بل لا ندفع أن يكون فيهما ما يوصل في كثير من ذلك إلى اليقين، فإن الشرع لم يتكفَّل ببيان ما ليس من الدين.
وكذلك لا نرى كبيرَ حرجٍ في الاستئناس بما يوافق المأخذَين السلفيين بعد الاعتراف بأنهما كافيان شافيان، إذ لا يلزم من كفايتهما أن لا يبقى في غيرهما ما يمكن أن يُسْتَدل به على الحق، وإنما الممنوع الباطل هو زعم أنهما غير وافيينِ ببيان الحق في الدين.
ولم يقتصر المتعمّقون على هذا الزعم الباطل، بل صاروا إلى عزلهما عن بيان الحق في العقائد البتة، حتى آل بهم الضلال إلى نِسْبة الكذب إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام، بل إلى رب العالمين سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.