أقول: هذا مأخوذ من قدح بعض الملحدين في القرآن؛ بأن المصاحف لم تكن في عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكما يقال لهذا: ليس المدار على المصاحف إنما المدار على ما فيها، وقد ثبت أنه القرآن الذي أنزله الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فكذلك نقول هنا: الأحاديث التي في «صحيح البخاري» ثبت أنها كانت معروفة عند خير القرون، وإنما رواها الثقات منهم وعنهم، بل ثبتت بالحجة الشرعية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال:(لم يقل أحدٌ من سلف الأمة وأئمة الفقه: إن معرفة الدين تتوقَّف على الإحاطة بجميع ما رواه المحدِّثون ولا بأكثرها).
أقول: لا ريب أن الأحاديث الضعيفة والواهية والمكذوبة لا تتوقّف معرفةُ الدين على الوقوف عليها، ومِن الصحيحة ما يُرْوَى من عِدّة طرق قد تبلغ المِئين، ويكفي لمعرفة الدين معرفة المتن من طريق صحيحة منها.
ومنها أحاديث يتفق العددُ منها في المعنى أو فيما هو المقصود، كأحاديث تحريم الربا وأحاديث التشهُّد، ويكفي لمعرفة الدين معرفة واحدٍ منها.
ومنها أحاديث يوجد في كتاب الله عز وجل ما يفيد معناها، ويكفي لمعرفة الدين معرفة تلك الدلالة من القرآن.
وبعد هذا كله، فمعرفة الدين ليست أمرًا لا يزيد ولا ينقص، وقد عَلِمْنا أنّ الشريعةَ لم توجب أن يكون كلّ مسلم عالمًا، وإنما أوجبت على الأمة أن يكون فيها علماء بقدر الكفاية يرجع إليهم العامّة في كلِّ ما يعرض لهم، ولم توجب على العالم أن يكون محيطًا بالدين، بل كما أن العامِّي يستكمل ما يحتاج إليه بسؤال العلماء، فكذلك العالم يستكمل ما يخفى عنه أو يُشْكِلُ