الفسخ بالإعسار ثابت في المذهب، وإذا بحثنا عن علته ظهر لنا أن النكاح عقدٌ بمقابلٍ كالبيع، فهو إباحة الانتفاع بالبضع إلى مقابل الصداق والإنفاق. ولا يَرِد علينا أنه تجب النفقة في غير حال الانتفاع، كما إذا كان عنينًا أو غائبًا. فإننا نقول: إن المنفعة تلِفَتْ تحت يدِه، فهي من ضمانه.
لا يقال: إنها تحتَ يدِ مالكها. فإننا نقول: إنها وإن كانت تحت يده صورةً فهو باذلٌ لها وممنوعٌ من التصرف فيها، فهي من ضمان الزوج قطعًا، بخلاف ما إذا أبى صاحبها من التمكين.
والمذهب أن المشتري إذا أعسر بالثمن، أو كان ماله غائبًا بمسافة قصرٍ، فللبائع الفسخ، لخبر «الصحيحين»(١): «إذا أفلسَ الرجلُ ووجدَ البائعُ سِلْعته بعينها، فهو أحقُّ بها من الغُرماء». وقِيسَ عليه سائر المعاوضات كالإجارة، وعلى الفلس الإعسارُ. فكذا يكون النكاح، بل هو أولى، لتجدُّد الضرر كلَّ يوم واعتضادِه بالضرر الآخر.
وإذا بحثنا عن علة الفسخ بالإعسار ظهر لنا أنها تعذُّر تسليم العوض، والعلة موجودة فيما إذا غاب غيبةً منقطعةً، أو امتنع ولم يُقدَر على ضبطه.
فإن قيل: ثَمَّ فارقٌ، وهو أنه يمكن في منقطع الغيبة أن يرجع، وفي الممتنع أن يمتثل.
قلنا: وكذا المعسر يمكن أن يتصدق عليه، بل هو أولى، لأن إمكان
(١) أخرجه البخاري (٢٤٠٢) ومسلم (١٥٥٩) من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم.