للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رآه فعل أو قال شيئًا فذلك الفعل أو القول يحتاج إلى تعبير، فقد تراه يأمرك بشيء، ويكون تعبيره أنَّه ينهاك عنه، وعكس ذلك.

ولهذا أجمع الأئمَّة على عدم الاحتجاج بالرُّؤيا، وإنَّما يُسْتَأنس بها إذا وافقت الدليل الثابت من الكتاب والسنة، كأن تراه - صلى الله عليه وآله وسلم - يحضُّك على صلاة الجماعة، أو يزجرك عن أكل الحرام، ونحو ذلك.

وإذا استند إلى التَّجربة، كما حكى لي بعضهم أنَّ رجلًا اعتاد تقبيل ظُفْرَي إبهامَيْه عند قول المؤذن: "أشهد أنَّ محمدًا رسول الله" ثم تَرَكه لما قال له بعض أهل العلم: إنَّه بدعة، والحديث الذي يُرْوَى في ذلك حَكَم عليه المحدِّثون بأنَّه كذبٌ (١)، فلمَّا تَرَك ذلك أصابه وَجَعٌ في عَيْنَيه فأخذ يعالجهما بأدوية مختلفة، فلم تَنْجَع، حتى قال له بعض المتصوِّفة: التزمْ تقبيل إبهامَيْك عند الأذان، فوقع في نفسه أنَّ ذلك الوَجَع إنَّما أصابه عقوبةً على ترك تلك العادة، فعاد لها فبَرِئَت عَيْناه= فقل له ــ مع ما تقدَّم ــ: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يبتلي عباده بما شاء، ويستدرج أهل الضَّلال من حيث لا يعلمون،


(١) تُنْظَر الأحاديث التي في هذا الباب مجموعةً فيما ذكره السَّخاوي في "المقاصد الحسنة" (١/ ٦٠٤ - ٦٠٦).
وقد أشار المؤلف رحمه الله إلى هذه القصَّة بإجمالٍ في حاشية تحقيقه لـ"الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للشوكاني (ص ٣٨ - حاشية ٦)، وبيَّن أنَّ الرجل الحاكي للقصَّة لَقِيَه في الهند. قال المؤلِّف رحمه الله: "فقلتُ له: إنَّ الدِّين لا يثبت بالتَّجربة، وسَلْ عبَّاد الأصنام تجد عندهم تجارب كثيرة، وذكرتُ قصَّة ابن مسعودٍ وامرأته".
وسيأتي ذكر قِصَّة ابن مسعود مع امرأته (ص ٩٦ - ٩٧).